بحث هذه المدونة الإلكترونية

تعديل

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

هل من عودة؟

هل من عودة -قصة قصيرة -أ.هاجر توفيق


تقدمت مع أبي و أمي وسط الحشود يحوطنا الجنود من كل اتجاه و كأنهم يخافونَ منّا أو ينتظرون هروبنا من بين أيديهم ، كان الجميع هائمين على وجوههم مستسلمين ، يسيرون مطأطئي الرأس ، و بين حينٍِ و آخر أجد أحدهم يرفع رأسه لينظر حوله و يُدقق في تفاصيل القرية ليحفظها عن ظهرِ قلب ، و كأنهم موقنون أن هذه هي آخر لحظاتنا ها هُنا .

من بينهم كنت أنا الوحيد الذي رفع رأسه و تأمل المشهد ، الكُل انفصل عن العالم ، يتوجهون للمجهول ، لا يأبهون لما حدث و لا ما سيحدث في المستقبل ، مهما كان سيئاً لن يكن أسوء مما حدث .
 لقد فقدنا وطننا .. فهل من أسوء ؟!

وصلنا إلى الشاطئ و بدأ الجميع في الصعود على المراكب لتحملنا إلى مكان لا نعرف إلا أنه ليس لنا .
 فجأة سمعنا صراخًا ، بكاء و عويلا ، نظرت صوب الصوت فوجدت امرأة عجوزًا تلتحف بالسواد و قد اظلم وجهها من الخوف أو ربما من الألم . توقفت عن السير فجأة و رفضت الصعود إلى المركب و أخذت تصرخ في الجميع " لن أذهب إلى أي مكان ، سأبقى و لو مِتّ ، بيتي هُنا ، أرضي هُنا "

أخذ الجنود يضربونها و يسبونها فسقطت و ارتطمت بالأرض ، بكت في لوعة و هي تردد كلماتها من جديد ، و حين سئم منها الجنود كانت قد توقفت عن الصراخ و وهن جسدها .. ران الصمت في المكان حين فقدت وعيها و اختفى صوتها فجأة كما دوى فجأة . التف حولها بعض الجنود و حملوها إلى مركبنا و لمحتُ دموعاً تسيل على خديها رغم أنها لم تكن واعية آنذاك .

 حملتنا المراكب و توجهت بنا إلى ما لا نعرف كنهه و بعد ما شعرنا بأنها سنوات من الألم و الإحباط و اليأس كنا قد وصلنا .

بعد أيام من وصولنا إلى أحد المخيمات وجدنا والدي مسطحًا بالخيمة يعاني من حرارة شديدة بجسده و يهذي بصوتٍ منخفض ببعض الكلمات ، اقتربت قليلاً منه فسمعت نفس الكلمات التي رددتها تلك المرأة ذات الرداء الأسود .

 في المساء توفى والدي و لفظ أنفاسه الأخيرة . لم أفهم ذلك المشهد إلا بعد سنين حين مررت بتجربة مشابهة لما طُردنا من منزلنا الذي عشتُ فيه لأكثر من عشر سنوات ، فقط لأنه ليس لنا و ليست تلك ببلدنا . بلادنا لفظتنا و ما لنا مِن مُستقر .

طوال تلك السنوات يأخذني عقلي إلى ذلك المشهد و تلك المرأة ، ماذا لو أننا حاولنا الصمود و الرفض مثلها ، لو أننا فقط حاولنا ، هل من جديد ؟! هل كُنا لنستعيد أرضنا و بيتنا ؟! و حتى لو قُتلنا ، ألا تكفي المحاولة ؟ .. ما قيمة الحياة و نحن نعيش مسلوبي الأرض و الكرامة و الحرية !
" ما قيمةُ الإنسان ؟!
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ

ما قيمةُ الإنسانْ ! "

0 التعليقات :

إرسال تعليق