قيد البحث:قصة قصيرة-ا.حياة
مع نسمات الفجر الهادئة ، تسللت
خُفية ، تسير على أطراف أصابعها ، تحث الخُطى نحو الخارج ، تتنفس هواء الصبح النقي
وتتنسم عبير الحرية ، كم تاقت نفسها للحظةٍ كتلك ، كانت تسمع كثيرا عنها ، والآن
هي تعيش لحظاتها الأولى ، تشعر بها تداعب شغاف قلبها الغض ، توقفت إثر انطلاقها
الأخير محاولة لملمة شتات أفكارها ورسم الواقع بأفكارها وصياغته حسب مغامراتها ،
سارت تتطلع إلى وجوه المارين ، تبحث عن كنز مفقود ، مخبوء بين ثنايا النفوس ، لا
يُرى بالعين البشرية كالأشياء من حولنا ، ولا يلمس كالمحسوسات التي تحوطنا ، كنزها
له طبيعة خاصة ، فلسفة تحوي العديد من المفاهيم ، أطرقت هنيهة .. ثم حثّت المسير،
في داخلها رغبة نحو المفقود، كسحر خاص يسيطر على خلجاتها ويقودها للوصول. بين
الناس كانت طيفا جميلا رسمُه، أبدعها فنان مخضرم، لم يبخل عنها بريشته. وقلمه !!
انخرطت بين السيول البشرية المتدفقة في الشوارع كتدفق الموج الهادر على صفحة الماء
، ترقب أعينهم محاولة سبر أغوار نفوسهم ، وترجمة لغات عيونهم ، مستبسلة في فكِّ
شفرات رموز ما يُشغلها ، اتصل إحساس الرغبة بين قلبها وعقلها ، فالتقطت عيناها
إشارات غير بعيدة عنها ، توقفت برهة لتملأ رئتيها بالهواء ونفسها بالثقة ، ثم
انسلت من بين الناس بسهولة ، لم يلحظ وجودها أحد ، ولم يعرها أحدهم انتباها ، بخفة
حملتها قدميها كرياح تحمل ريشة وتلاعبها بين طيات السحب إلى تلك الجالسة وحيدة
تهمهم اقتربت منها ، جلست جوارها ، هيأت نفسها كأنها على استعداد للبدء في حرب
ضروس سرعان ما تنتهي ضراوتها بنتيجة حسمية لصالحها ، لكن خاب ظنها من نظرة لتلك
التي تجاورها بثغر باسم وعينين تفيضان براءة وشجنا ، غلبت عليها قوانين الطبيعة
ونواميس الكون فبادلتها نظرة لا قسوة فيها ولا حنان ، هي فقط إنسانية لا حياة فيها
، سرعان ما انتبهت وهى تراها تتأمل تلك الزهرات الناميات على مقربة من مجلسهما في
تلك البقعة الغناء ولسانها لا يفتر لاهجا بالتسبيح والشكر والتعظيم للخالق ،
همهمات تنم عن شعور خفي , يبدو أن تلك الجالسة تهيم به وتسعد بلذته , فنمت عن
ثغرها ابتسامة حَيِيَّة سرعان ما اتسعت وهي ترى ذاك الملاك الصغير الذي لم تلوثه
الحياة ولم يتأثر سلبا بفلسفتها الخيرة أو الشريرة ، قادما على عجلة وكأنه افتقد
غاليا قد عاد لتوه من سفر طويل ، أقبل عليها مرتميا في أحضانها فضمته ضمة قوية
كأنه ذاب فيها وامتصته هي بين أضلاعها تخفيه من كل شيء ، لحظات يقبع داخل أحضانها
يحتمي بذراعيها الضعيفتين كأسوار قلعة يختبئ هو خلفها وعليها جنود ورماة ينهشون كل
من تسول له نفسه الاقتراب من حدودها ، في عينيه براءة تسبح كتلك التي في عينيها ،
وكأنهما استنسخا منها أو توأماها أو انبثقا عنها فكان جزءا لا يتجزأ منها ومن
روحها ، رفع رأسه بمرح مخالفًا لحالة الاسترخاء التي قبع فيها قليلا ثم قال لها :
" أمي اشتقت لكِ كثيييييييرا " ببسمة تفيض وتتلألأ بأنوار مشرقة كالشمس أجابته : عمر حبيب ماما اشتقت لك في تلك الدقائق كثيرا جدا جدا جدا ثم
ضحكت وهى تنظر له بنظرة طفولية كتلك التي يبادلها إياها .. داعبت خصلات
شعره الكستنائي بمرح يشوبه بعض من شقاوة خفية : هل انتهيت من لعبك أم ليس بعد ،، -انتهيت
،، وبينما هما على حالهم من تبادل الكلمات وبث المشاعر والضحك الخفيف والشقاوة إذ
جاء صوت رخيم من الخلف : كيف حالكم ؟ ابتسما سويا ثم قامت ملتفة نحوه : الحمد لله
في نعمة من الله حبيبي ,, بادرها مبتسما وهو يحمل طفله بين ذراعيه : هل استمتعتما ؟
بمرح أجابته : كثييرا .. -عمر حبيبي هل استمتعت بوقتك ؟ ثم غمزه قائلا : هل أرهقت أمك
لعبا ومرحا ؟ لكزته بخفة في كتفه فضحك , ويكأن قلبها يطرب ويتراقص مع وقع ضحكاته
تلك .. ضمت يدها إلى صدرها ووقفت تنظر لهما كمن يخطط لعقاب : حسنا
عقابا لك ستأخذنا في نزهة سريعة حالا وعقاب آخر ستفكر أنت في المكان وتختاره .. أنزل صغيره , و مال قليلا في حركة مسرحية سريعة ومد يده
للأمام : حسنا سيدتي الجميلة تفضلي أمامي .. ثم استوي قائما
: اشتقت لنزهة تجمعنا لذا أجَّلت مواعيدي وخططت لرحلة قصيرة لثلاثتنا وفقط .. قفز صغيره فرحا وضم كفيه كمن امتلك الدنيا بين هاتين الكفين
الصغيرين .. اقتربت ثم شبكت يدها في يده كتشابك أغصان الأشجار في ألفتها
وتماسكها فضمها ناحيته وحمل صغيره وسارا حيث أراد الله وأرادوا .. ليتركاها في حيرة على حيرتها وشعور جديد يسكن جنباتها وبسمة
تزين ثغرها وخيال يتضرج بمشاعر جمَّة حَيِيَّة .. قامت تكمل سيرها
يُشغلها ما رأت , ثم ما لبثت أن اندمجت بين البشر ثانية في هدوء ورَوية .. سارت تتلفت حولها كسابق عهدها , باحثة عن ما خفي من كنزها ,
تجوب فيافي البشر مراقبة عيونهم , لمحاتهم , حركاتهم , بل ربما .. وسكناتهم !! وبينما هي في بحر أفكارها تسبح , تناهى إلى مسامعها ضحكات غير
بعيدة , أرهفت سمعها وسارت خلفها , كانا يسيران جوارها كأنهما روح في جسدين ,
انسلت بينهما باحثة عن مفقودها , رأتهما عن قرب لا تريانها منه , كانتا تميلان
برأسيهما كأنهما متلاصقتان , تتحادثان .. تهمهمان ثم تضحكان فتضحك الدنيا وترقص
الشمس لفرحهما , توأما روح هُما , بل كل منهما توأم هَناً للثانية , اتسعت بسمتها
بل ضحك قلبها طربا هو الآخر , تراقصت روحها فرحا وبهجة , قاربت على حل اللغز ,
بقىَ القليل على حل تلك الشفرات التي تؤرقها .. ودعتهما دون
كلام , غمرتهما بفيض مما أصابها , وتركتهما يرحلان في حب وسلام .. وقفت تلتقط أنفاسها , من بعيد رأته , يمشى بين الناس بسكينة ,
يألفهم , ويألفونه , بابتسامة يشير لهذا , وبتحية يلقيها على ذاك , نظراته الحانية
التي اعتادتها , أخيرا فهمت مغزاها , اتقد بداخلها إحساس جديد , وجدت روحها تصبو
نحو المفقود , ها هي قد توصلت لأسمى المعاني .. حثّت خطاها نحو
طريق العودة , نحو أفق الشمس سارت , عادت من حيث أتت , وتساؤلات تحاصرها , لكن
الإجابة بيِّنة , واضحة كبارقة أمل , أكانت حقا متمردة ؟ ألم تفهم يوما قصده ؟
أكانت بحاجة لرحلة كتلك لتجد ما تبحث عنه ؟ أما كان يكفيها نظراته وهمساته ؟ أهناك
فرق بين رؤيتها له من بعيد وبين قربه منها كل مساء ؟ توردت وجنتاها خجلا , إنه هو ,
لم يختلف , تمردها هو من فجَّر سيل أسئلتها , فقادها نحو المفقود وهو في جعبتها ,
نحو الأجوبة وهى داخلها , وصلت إلى حيث محلها , ذاك الذي غادرته مع نسمات الصباح
الندية , جلست ترد كلٌّ إلى مكانه , تعيد ترتيب أحداثها , انبثق عن رحلتها ما تحب
, لقد رأت حب الله وتأمل الخلق في ملكوت الخالق , علمت معنى " الحب الإلهي
" , عرفت لذة الإيمان بل عايشتها , كرامات يُلقيها الخالق في القلوب فتفيض
رحمة , تذكرت عمَر ذاك الصبي الذي ينعم بحنان أمه , " الأمومة " رحمة من
الله جل علاه , حب يولد من رحم المودة بين زوجين ارتضيا العيش في ظل الحلال , ب
" المودة والسكن " أقاما مملكتهما الخاصة , فعاشا يهيمان عشقا , بفؤادين
أقسم كل منهما على الوفاء .. قامت مقتربة من محرابها استوقفتها ذكرى الفتاتين ,
ابتسمت , حدثت نفسها : ما أجملهما , تجلَّت فيهما أسمى آيات الوفاء والروعة والحب
, رأت " عشق الأصدقاء " نهر خالد يفيض عليهما وينهلان منه .. تذكرت حالها , يَعشقها رغم تمردها , طيب دوما , لم يبخل عنها
بوصف , من بنات أفكاره هي , بل هي بِكره , مولودته الأولى ومعشوقته ,
لم يغادر يوما إلى غيرها , رغم كثرتهن , نظراته كما هي تفيض حنانا كما رأته في
الخارج , إلا أنه يؤثرها بالحب والشوق , يبُث إليها أحلامه , آماله وآلامه ,
يتركها تقتحم ذاته , تمارس طقوسها , لم يقيد قلمه يوما معها , وكانت ترده منكسرا ,
لم ييأس من تمردها ولم يضجر .. اتخذت قرارها , بهدوء .. سارت إلى تلك الرابضة فوق مكتبه ,
نظرت إلى غلافها رأت فراغا يحتله , وورقها ناصعا كما تركَه , وتركته ! تنهدت برضا
، سمعت خطى أقدامه تقترب , والباب يوصد بعد أن كان مفتوحا , إنها لحظاته الخاصة ,
ستترك له الأمر , ستكف عن التمرد في سبيل " الحب " , الحب هو كنزها
المفقود , الحب هو الشعور الخفي بالسعادة , الحب إيمان ورحمة وحنان , الحب عشق
والتزام .. رمقته بطرف عينها في سعادة، ثم ذابت داخل الرواية
تمت بحمد الله.

0 التعليقات :
إرسال تعليق